تحقيقات ليبية تقود إلى تفكيك حلقة جديدة من شبكات الاتجار بالبشر
تحقيقات ليبية تقود إلى تفكيك حلقة جديدة من شبكات الاتجار بالبشر
يواصل مكتب التحري والقبض التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا جهوده الكبرى لتفكيك شبكات التهريب والاتجار بالبشر، في ظل ما يشهده البلد من تدفق مستمر للمهاجرين غير النظاميين واتساع رقعة الشبكات التي تعمل على استغلالهم، وفي خطوة تعكس تطوراً في أساليب الرصد والمتابعة، أعلن الجهاز في بيان تنفيذ عملية نوعية بتاريخ 30 نوفمبر 2025 تمكن خلالها من ضبط مجموعة من المهاجرين البنغلاديشيين إضافة إلى توقيف شخصين يعدان من أبرز المنسقين المتورطين في تنظيم عمليات تهريب بشر منسقة ومتداخلة بين الداخل الليبي وخارجه.
بحسب بيان الجهاز، تمكنت الفرق المختصة من القبض على 32 مهاجراً غير شرعي يحملون الجنسية البنغلاديشية، بينهم اثنان يعتبران من العناصر المحورية في إدارة خطوط التهريب، وتشير التحقيقات الأولية إلى أن هذين المنسقين لعبا دوراً في ترتيب استقبال المهاجرين وتحويل الأموال وتوجيه تحركاتهم، ضمن نشاط واسع يعتمد على علاقات ممتدة مع مهربين آخرين داخل ليبيا وفي دول مجاورة، وتتبع الجهاز تحركات المجموعة بناء على اعترافات أدلى بها متهمون ضُبطوا سابقاً في قضايا مماثلة، وهو ما منح المحققين مساراً أوضح لفهم الشبكة وآليات عملها.
عمل استخباراتي ومتابعات ميدانية
يؤكد جهاز مكافحة الهجرة أن العملية الأخيرة في ليبيا ليست سوى حلقة ضمن سلسلة من الإجراءات التي يعتمد فيها على جمع المعلومات وتحليل البيانات الواردة من وحدات التحري، فالجهاز اعتمد خلال الأشهر الماضية استراتيجية تقوم على دمج المتابعة الميدانية مع المعلومات التي يقدمها مهاجرون سابقون وضبطيات سابقة، إضافة إلى تعاون محدود مع أجهزة محلية. وتقوم هذه الاستراتيجية على تجفيف منابع الشبكات بدلاً من الاكتفاء بضبط المهاجرين، بهدف الوصول إلى الجهات المنظمة والمسؤولة عن عمليات الاتجار.
كذلك أوضح الجهاز أن التحقيقات مع الأشخاص الذين تم ضبطهم لا تزال جارية، وأن ملف القضية سيحال إلى النيابة العامة فور اكتمال الإجراءات الأولية. ويشكل هذا التنسيق بين الجهاز والنيابة إحدى الأدوات الأساسية التي تراهن عليها السلطات الليبية في محاربة الشبكات الإجرامية، فقد أظهرت التجارب السابقة أن غياب المسار القضائي الواضح يسمح لبعض المهربين بالعودة إلى نشاطهم، لذلك تعمل الجهات المختصة على تعزيز إطار قانوني يضمن ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق التشريعات النافذة.
الهجرة غير الشرعية في ليبيا مشهد معقد
تشهد ليبيا منذ سنوات حالة من الانفلات المرتبط بملف الهجرة غير الشرعية، إذ تحولت البلاد إلى نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا وآسيا، فغياب الاستقرار السياسي وتعدد القوى الأمنية وانتشار السلاح عوامل جعلت من السواحل الليبية محطة مركزية في طريق المهاجرين نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ويستغل المهربون هشاشة الوضع الأمني ومحدودية الرقابة البحرية لتمرير آلاف المهاجرين سنوياً مقابل مبالغ مالية كبيرة، ما يجعل الاتجار بالبشر أحد أكثر الأنشطة الإجرامية انتشاراً في البلاد.
تسعى السلطات الليبية عبر جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى الحد من نفوذ هذه الشبكات ووقف تدفق المهاجرين، ليس فقط من خلال ضبطهم في مراحل متقدمة، بل بمحاولة تتبع المسارات المالية التي يتم عبرها تحويل الأموال، وهو الجانب الذي يُعد من أكثر الجوانب حساسية في مكافحة التهريب، ويشير مسؤولون في الجهاز إلى أن العمل الأمني وحده لا يكفي ما لم يتم العمل على مستوى أوسع يشمل التعاون مع دول المنشأ ودول العبور، إضافة إلى دعم دولي في الجوانب التقنية والبحرية.
انعكاسات إنسانية
توظف شبكات التهريب ظروف المهاجرين الصعبة لتحقيق أرباح طائلة، في حين يدفع المهاجرون ثمناً باهظاً يشمل الاستغلال والعمل القسري العشوائي، إضافة إلى المخاطر التي قد تصل إلى فقدان الحياة خلال الرحلات البحرية، وقد كشفت تقارير دولية عن تعرض أعداد كبيرة من المهاجرين لسوء معاملة وابتزاز أثناء وجودهم داخل ليبيا، ما يجعل تفكيك هذه الشبكات جزءاً من مسؤولية إنسانية قبل أن يكون مهمة أمنية.
تعمل السلطات الليبية بمساندة أجهزة محلية ودولية على تعزيز قدرات الرقابة على السواحل والمنافذ، بهدف الحد من انطلاق القوارب التي تحمل مهاجرين عبر المتوسط، غير أن هذه المهمة تصطدم أحياناً بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مؤسسات الدولة، إضافة إلى انتشار الجماعات المسلحة غير المنضبطة، لذلك يركز جهاز مكافحة الهجرة على الضبط البري داخل المدن والأحياء التي غالباً ما تُستخدم محطات تجميع للمهاجرين قبل نقلهم نحو السواحل.
رسالة ردع للشبكات الإجرامية
ترى الجهات الأمنية أن العملية التي نفذت يوم 30 نوفمبر 2025 تشكل رسالة واضحة للشبكات التي تعتقد أن ليبيا باتت أرضاً مفتوحة لتحركاتها، فاعتقال المنسقين الاثنين يشير إلى قدرة الأجهزة على الوصول إلى عناصر أكثر أهمية من مجرد سائقي الشاحنات أو المهربين الصغار، وهو ما قد يمهد لكشف مسارات أوسع تشمل تمويلات وتحويلات مالية خارجية.
تعد ليبيا منذ عام 2011 إحدى المحطات الرئيسية للهجرة غير الشرعية في منطقة المتوسط، حيث تستقبل البلاد عشرات الآلاف من المهاجرين سنوياً القادمين من دول إفريقية وآسيوية، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن ليبيا تضم واحداً من أكبر مسارات الاتجار بالبشر في المنطقة، نتيجة ضعف مؤسسات الدولة وغياب رقابة فعالة على الحدود البرية والبحرية، وقد لعبت الشبكات الإجرامية دوراً محورياً في تحويل الهجرة غير الشرعية إلى نشاط منظم يدر ملايين الدولارات سنوياً.
وتواجه السلطات الليبية تحديات كبيرة تشمل نقص التجهيزات ووجود جماعات مسلحة وغياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية. لذلك تعمل بشكل متواصل على تنفيذ حملات ضبط وتفكيك للشبكات، بالتعاون مع جهات دولية مثل المنظمة الدولية للهجرة ودول أوروبية بهدف تقليل تدفق المهاجرين وحماية حقوقهم ومنع استغلالهم على أراضيها.











